واحدة من أكبر المشكلات التي نعاني منها في مجتمعنا العربي هي مشكلة “النفاق”, والنفاق على أنواع: فهناك المنافق الذي يغيّر مواقفه وكلامه كلما تغيّرت “أهميّة” محدّثه ومركزه الاجتماعي ومنصبه الوظيفي، وهذا النوع معروف ومنتشر ومفضوح على وجه العموم
وهناك المنافق الذي يسمع محدّثه ينطق بأمور غير صحيحة ومغلوطة بل ويساهم في تعقيد ما نعانيه من إشكاليات، لكنه يفضل الصمت والاكتفاء بإيماءة خجولة “أملا منه أن ينتهي الحديث سريعاً”، وهذا موقف تخاذل وتقاعس، ومساهمة سلبية في الحفاظ على أوضاع خاطئة وعلى الفساد المتفشي في المجتمع وفي الكثير من المؤسسات
لكن مشكلة المشكلات هي أنّ الذي يتجرأ وينتقد التصرفات الخاطئة ويقدم حلولاً بديلة لمعالجة الأوضاع السلبية والمأساوية التي نعاني منها، يوضع على “لائحة المنبوذين”. فعندما يتم تأسيس لجان عمل أو لجان استشارية هنا أو هناك على سبيل المثال، تُطرَح أسماء: فتُقبل أسماء وتُرفَض أسماء، وسبب الرفض أن “فلان ناقد”. وفجأة يصبح الناقد وكأني به ارتكب جريمة أو تجديف لا سمح الله، منبوذ ومرفوض
برأيي المتواضع أن النقد والإشارة إلى الخطأ هو أول الطريق لتصويب الأوضاع الخاطئة، فكيف نبحث عن حلّ لوضع لا نتفق على أنه خاطئ وسيء وبحاجة إلى تصويب؟
والحقيقة أن كثير من الذين يشكّلون لجنان في مجتمعنا إجمالاً تجدهم يطلبون أعضاءها إما بين كبار السن المتعبين المرهقين الذين لا طاقة عندهم للتغيير، أو بين جمهرة المصفقين المهللين المطأطئين، حتى لا يتعب رئيس اللجنة نفسه في جدالات وحوارات حول كيفية تحسين الأوضاع فعلاً، لأن غايته ليست تحسين الأوضاع بل الحفاظ على الأمر الواقع وممارسة ما يفعله دون مقاومة…
شخصياً، وفي هكذا حال، يسعدني أن أكون على “لائحة المنبوذين” فهي بالنسبة لي “لائحة شرف” لأني أرفض أن أكون تمثالاً في لجنة “صورية” لا تقدّم ولا تؤخّر… وسأبقى أنتقد وأقدم البديل لعل وعسى نجد شريفاً يصغي وصادقاً ينفذ