لفظة نصارى

أثار بعض الإخوة تساؤلاً مستحقاً حول لفظة “النصرانية” التي اخترت استخدامها في عنوان كل مداخلة. بعضهم كان يحبذ لو أنني اخترت لفظة المسيحية بدلا من النصرانية … والسبب أن بعض المفكرين المسيحيين يرون في لفظة نصارى إما نظرة دونية تجاه المسيحيين أو تعبيراً عن جماعات مسيحية منشقة لا تمثل المسيحية الحقيقية وبالتالي فهم يريدون عزل أنفسهم عن تلك الشيع المهرطقة.

والحقيقة أنني اخترت لفظة “النصرانية” عن قصد، والهدف منها هو توحيد الموقف والتعبير عن أن المسيحية هي النصرانية، لا فرق بين هذه وتلك. وكما أننا نعتبر الطوائف البروتستانتية اليوم طوائف مسيحية، كذلك الأمر بخصوص الطوائف المسيحية القديمة التي انتشرت في البلاد العربية، فهي أيضاً مسيحية، وإن اختار الإسلام تسميتها بالنصرانية.
أما من ناحية لفظة نصارى ونصرانية، فمصدرها هو القرآن، واللفظة لا علاقة لها بتاتاً بالناصرة ولا بالناصري دلالة على بلدة يسوع الناصرة. 

وحتى نفهم معنى كلمة نصارى، علينا أن نقرأ سورة آل عمران رقم ٥٢:
«فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ». والقصد من “منهم الكفر” أي اليهود – أما لفظة “الحواريون” فتعود للرسل الاثني عشر. هنا نجد أصل لفظة نصارى، فهي تدل على الحواريين – الرسل الذين نصروا يسوع في جداله مع اليهود وبالتالي فهم نصارى. وقال الشعراوي في تفسير ذلك: «كلمة (أنصار) هي جمع (نصير). والنصير هو المعين لك بقوة على بُغْيَتِك…. أي من ينصرني نصرا تصير غايته إلى الله وحده لا إلى هؤلاء البشر»

وفي هذا المعنى قال أيضاً الإمام ابن باز: »فالحواريون هم الأنصار، هم أنصار الحق، فقالوا في آية الصف ١٤ «نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ»؛ لأنهم يعلمون أن نصر النبي نصر لله، فلم يقولوا: أنصارك… بل قالوا: (نحن أنصار الله)، يعني: نحن الأنصار الذين دعوتهم إلى أن نكون معك في نصر دين الله»

وعليه فإن لفظة نصارى أصلها ليس الناصرة، بل أنصار ونصير وتعني أولئك الذين نصروا المسيح، وبالتالي فالمعنى المقصود جميل وإيجابي جداً

أما لفظة “ناصريين”، فهي لفظة أطلقت بالفعل على المسيحيين من أصل يهودي في القرن الأول الميلادي… هؤلاء الناصريين لم يكونوا هراطقة، بل آمنوا بأن يسوع الناصري هو المسيح المنتظر وهو ابن الله. كانت مشكلتهم ومعضلتهم الكبرى أنهم -بالإضافة إلى إيمانهم المسيحي- أرادوا الحفاظ على عدد من الشرائع اليهودية مثل السبت والختان والصوم وغيرها (المصدر هو: كتاب فلسطين المسيحية القرن ١ – ٧ للأب ميكيللي بيتشيريللو). وهذا وضعهم في موقف صعب فلا هم مسيحيين ولا هم يهود، بل بين بين.