الجميع يرى ويتابع بوضوح الجهود التي يبذلها الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات لفرض سيطرته على المسجد الأقصى في القدس وسعيه الدؤوب لإيجاد طريقة لبناء الهيكل الثالث على اعتبار أهميته لأتباع الديانة اليهودية. وأنا أريد في هذه المداخلة أن ألقي الضوء على حقيقة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار في مقاومتنا ورفضنا لهذا التصرف غير المسؤول وتبيان فراغه من مضمونه الديني والتاريخي، وفضحه بصفته لعبة سياسية فقط لا غير
لكشف سخف المطالبة ببناء الهيكل، نحتاج طبعاً إلى العودة إلى الأسفار التوراتية لنفهم الغاية والهدف من إنشاء الهيكل الأول. ورد في سفر صوئيل الثاني ما يلي: «ولَمَّا سَكَنَ المَلِكُ (داود) في بَيتِه وأَراحَه الرَّبُّ مِن كُلِّ الجِهاتِ مِن جَميعِ أَعْدائِه، قالَ المَلِكُ لِناتأَنَّ النَّبِيّ: أَنَّظرْ! أَنَّي ساكِنٌ في بَيتٍ مِن أَرزٍ ، وتابوتُ الرَّبِّ ساكِنٌ في داخِلِ الخَيمَة»، فعقد العزم على بناء بيت للرب (٢ صوئيل ٧: ١-٢). واضح من هذه الآيات والتي تكررت في سفر الأخبار الأول الفصل ١٧ وسفر الأخبار الثاني الفصل ٢٨، أن داود أراد يبني بيتاً أو هيكلاً “للرب” الذي هو تابوت الرب، أي تابوت العهد. إذن لم يكن الهدف من بناء الهيكل هو إقامة مكان لليهود ليصلوا فيه، بل كان الهدف الأساسي والوحيد لبناء الهيكل هو استضافة الرب، أو استضافة تابوت الرب الذي صنعه موسى في الصحراء ليحفظ لوحي الوصايا التي خطها الله بيده وأعطاها لموسى. باختصار: الهيكل سيكون بيت الرب كما أن القصر كان بيت الملك في زمن داود الملك وابنه سليمان. ولذلك تم تسمية المكان الأقصى داخل الهيكل باسم “قدس الأقداس” لأن فيه وضعوا تابوت العهد ولم يكن يسمح لأحد بالدخول إليه غير عظيم الأحبار وقلة قليلة في أوقات محددة في السنة
اليوم إسرائيل تسعي لبناء الهيكل، والسؤال المهم: لماذا؟ إذا أرادت من الهيكل أن يكون بيت الرب أو بيت تابوت الرب: فيحق لنا أن نسأل: أين هو الرب وأين تابوته؟! لقد اختفى منذ آلاف السنين ولا يعرف أحد مكانه ولا موضعه. فلمن ستبنون الهيكل؟ هاتوا تابوت العهد، تابوت الرب، ثم تعالوا وطالبوا ببناء الهيكل
بدون تابوت العهد – أي يدون الرب وتابوته – تبقى الدعوة إلى بناء الهيكل باطلة ولا معنى لها ولا ضرورة