طوال مطالعتي لرواية “سارق الكتب”، لم يزل يراودني تساؤل يحيرني
كيف يمكن لأبناء شعب عانى الأمرّين في ألمانيا وغيرها على يد الحكومة النازية ومخابراتها، فشُرّدوا من بيوتهم وطُرِدوا وهجِّروا واقتيدوا إلى المعسكرات وذُبحوا وقُتلوا وحُرِقوا، كيف يمكن لشعب ذاق كلَّ هذا الهوان أن يقوم بعد أقل من عشرة أعوام من تذوقه مرارة هذه المآسي أن يقوم هو نفسه بارتكاب هذه المآسي عينها ضد شعب آخر مستضعف أعزل، فيشنّ عليه حرباً شعواء ويهجّره من منازله وقراه ويقتل من رفض الفرار، ويرتكب في حقه المجازر النكراء ويحرق بيوته ويهتك بنسائه ويشنع بأطفاله ويفتح بطون حوامله ويلقي بأجنته لتبتلعها النيران ويسعى لطرده من أرضه وقريته وبيته ليسكن فيها وكأنها بيوت بلا سُكّان وأراض بلا مُلّاك ووطن بلا شعب؟
كيف يمكن للإنسان أن يتحول في بضع سنوات قليلة من فريسة مستضعفة هالكة تستجدي ملجأ آمناً وكهفاً تحتمي في ثناياه من سطوة الجزّار، ليضحي هو نفسه جزاراً مستأسداً لا يتوانى عن القتل والذبح والحرق كذئب شرسٍ أو كلب مسعور؟
كيف يمكن لمن عاش أهوال المحرقة أن يرتكب مجازر النكبة ويلحقها بالنكسة، وما بين هذه وتلك من إجرام وتقتيل وتعذيب وذبح وسلب ونهب وما إلى ذلك؟
أترانا كلنا – هم ونحن – فريسة لوحش كاسر لم نفطن له؟ هل كان اليهود في المحرقة والفلسطينيون في النكبة فريسة لوحش واحد هدفه واحد وطريقة عمله واحدة؟ هل نحن جميعاً فريسة لوحوش الصهيونية التي سعت -تحت ستار النازية ودعمها- إلى دفع اليهود دفعاً إلى الهجرة إلى فلسطين الملاذ الآمن؟ ولذلك كان الأسلوب الوحشي متماثلاً في كلا المأساتين، المحرقة والنكبة؟
لا أدري. ولكنني لا أجد تفسيراً مناسباً ومقنعاً لتساؤلي: كيف تتحول الفريسة إلى وحش كاسر لا يثنيه ضميره عن ممارسة ما تعرض له من ذل وهوان وتشريد وذبح وتقتيل ضد شعب آخر بالوحشية عينها